بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على
رسول الله وآله وصحبه
تزكية الحكام
كل إنسان وكل مسلم ينبغي أن يسعى لتزكية
نفسه من خلال إيمانه بالله تعالى وتفقهه في دين الله وعمله بفرائض الله وعباداته،
وتركه للمعاصي والمحرمات، مع ما يشمل ذلك من معاملات صحيحة وأخلاق طيبة.
وكل إنسان بحسب ظروفه الخاصة قد يحتاج
إلى مزيد من العناية بأمور حتى يكون مزكياً لنفسه.
والحاكم له خصوصيته بسبب وظيفته العظيمة
في رعاية مصالح الناس، فما لم يقم بحق وظيفته فإنه يكون فاسداً مُدَسِّياً لنفسه، يُخشَى
عليه من العذاب الشديد إذا ضيع ما ولاه الله إياه.
وهذا بيان لبعض الأمور المهمة التي يجب
على الحاكم مراعاتها والقيام بحقها:
ـ لا يجوز لإنسان أن يفرض نفسه حاكم
على الأمة بغير رضاها، فالأمة هي صاحبة الحق في اختيار حاكمها، ضمن الضوابط
الشرعية والأوصاف التي فرض الله أن تكون في الحاكم الذي يحكم المسلمين، من إيمان
وعلم وأمانة وعدل وكفاءة وغير ذلك، ويكفي بالحاكم ظلماً أن يفرض نفسه عليهم.
ـ من واجبات الحكام بالتعاون مع العلماء: إقامة
الدين وتعليم الدين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والحفاظ على الأخلاق
والآداب السليمة مرعيةً في المجتمع.
ـ مما يجب أن يدركه الحاكم أنه خادم للناس يتولى
رعاية مصالحهم، فيَبذُلُ غاية جهده في تحقيق مصالحهم الدنيوية والأخروية.
ـ ولا يجوز أن ينسى وظيفته هذه، فيتخذ من نفسه رمزاً،
ليمدحه الناس ويعظمونه، ويظن نفسه مالكاً للأرض والعباد، فيأكل الأموال ويخص نفسه
بالمزايا، ويهمل شعبه، ويهينه، ويسرق كرامته، ويستبد وينفرد برأيه عن شعبه، ويترك
النظر في حاجات الناس، ويترك مشاورة العلماء والحكماء والمتخصصين فيما يصلح البلاد
وأحوال أهلها.
وواجب
الحكام وهم يعملون لمصالح شعوبهم أن يكون ذلك ضمن إطار أخلاقِ العدل والحرية، العدل
الذي قضاه الله، والحرية التي أعطاها الله للناس. بحيث يكون العدل شاملاً
للجميع، فلا يعطى حق إنسان لغيره، ويوفر الحماية من الظلم للجميع، وبحيث تُحترم
حرية الناس في التعبير عن اجتهاداتهم المختلفة، وبحيث تكون الحرية متوازنة بحيث لا
تكون حقوق الفرد وحريته على حساب حقوق المجتمع وحرياته، ولا العكس، وعند التعارض
تقدم المصلحة العامة على الخاصة، مع تعويض الخاصة قدر الإمكان.
ـ الحاكم أمين مراقب لحقوق الناس مشرف
على إيصالها لأصحابها، يحمي الضعفاء من الأقوياء أن يتسلطوا عليهم ويأكلوا
حقوقهم، ﴿ إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى
أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ
، إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً
﴾ [النساء:58].
ولا يتحقق العدل حتى يصير الحاكم كالمحكوم، والمسؤول
كالرعية؛ في دخول موازين العدل وأداء الحقوق والواجبات، ولا يتحقق العدل حتى
يتجرد الحاكم عن أهوائه وشهواته ونزواته : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ
أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً،
فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا [ أي الهوى
الذي يأمركم بترك العد ل ] وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ
بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً ﴾ [ النساء:135]، ﴿ إن الله يأمر بالعدل والإحسان
وإيتاء ذي القربى ، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون ﴾.
والعدل يقتضي مساواة مطلقة في تطبيق الأحكام
الشرعية على الراعي والرعية، فلا يعفى شريف من عقاب، ولا يعفى الحاكم مما يطالب به
المحكوم، فالحاكم كسائر الناس في الواجبات والحقوق، ليس له حق فوق حقوقهم، إلا ما
أعطاه الله تعالى من حق الطاعة إذا أطاع الله تعالى، وتزداد واجباته بسبب وظيفته.
ـ المقصود من الحاكم إقامة
النظام وحماية الناس وأمنهم، فالله تعالى خلق هذا الكون، ولم يخلقه عبثاً،
وخلق الإنسان مكلفاً فيه، ولم يتركه هَمَلاً ضائعاً، ﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا
خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ ﴾ [ المؤمنون:115 ]،
ومن طبيعة الإنسان الذي خلقه الله تعالى أنه يحتاج إلى نظام وتنظيم، والذي عاشوا
خلال التاريخ من غير نظام؛ كانت حياتهم قاسيةً، يحكمها الظلم، وتُهلكُها الحروب،
يفتك بها القتل والجوع، لا تعرف أماناً ولا استقراراً.
لأجل ذلك وجهنا الله تعالى إلى حياة النظام،
فوجهنا إلى اختيار الإمام الصالح العادل، وطاعته لم يأمرنا بمعصية الله تعالى،
ووجه الإمام الحاكم إلى الإحسان إلى رعيته، وهذا لا يقتصر على الحاكم، بل يتعداه
إلى كل صاحب مسؤولية « كلم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ».
وفائدة إقامة النظام أن يكون المجتمع بحكامه
ومسؤوليه وشعوبه متعاوناً على الحق، فإن الحاكم لا يستطيع أن يفعل كل شيء بنفسه،
فهو ينظم المجتمع ويستعمل من يعينه على تحقيق المطلوبات، ﴿ وتعاونوا على البر
والتقوى، ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ﴾.
ـ
ومن مصالح الأمة التي يجب على الحكام المسلمين أن يسعوا إليها ويقيموها: وحدة
الأمة الإسلامية، وحدتها السياسية والاقتصادية والعسكرية، فإن وحدة الأمة
المسلمة الدينية والثقافية والأخلاقية تقتضي ذلك، وذلك كله من أمر الله، فقد أمر
بالاجتماع وعدم الفرقة ﴿ أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه﴾، ﴿ ولا تفرقوا ﴾،
فتفريق الأمة وهن لها وإضعاف وتضييع وتشتيت، ولا يجوز لحاكم لأي سبب أن يتأخر عن
تنفيذ ذلك، فكيف إذا كان السبب إبقاءاً لتفرُّدِه واستبداده، فذلك مجرم وليس
بصالح.
ـ قلنا إن من واجب الحاكم أن يسمع إلى غيره ولا
يستبد برأيه، وقد جعل الله هذا من حق الناس على الحاكم أن يستشيرهم، ليشيروا عليه
وينصحوه، ﴿ وأمرهم شورى بينهم ﴾ ، ﴿ وشاورهم في الأمر﴾ ، والتشاور
وقبول آراء أهل النصح؛ يوسع الآفاق، ويذكر الحاكم بما غفل عنه، وهو سبيلٌ عظيم لتحقيق
العدل والمودة بين الحاكم وشعبه، يحقق التناصر وتحمل المسؤولية والاشتراك فيها.
والحاكم الذي لا يستشير ولا يقبل المشورة،
متكبر معتد برأيه، كأنه يرى أن الله لم يخلق مثله.
وهذه
الشورى لا تكون إلا فيما لا نص فيه من الشرع، فإذا قضى الله ورسوله r أمراً لم يكن لأحد رأي ولا شورى، ﴿وَمَا كَانَ
لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ
الخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُّبِيناً﴾
[الأحزاب: 36]،
إنما تكون الشورى فيما وراء ذلك من السبل التي تحقق أوامر الله ، وفيما ترك الشارع
تنظيمه للناس بحسب ما يتوافق مع مصالحهم وأزمانهم وأحوالهم.
ـ ومن واجب الحاكم
أن يكون ليناً رفيقاً بالأمة، فلا يشق عليها في أمر لها فيه سعة، ولا يشق
عليها بإدخالها في أمر فوق طاقتها، ولا يشق عليها بتحديد حرياتها المشروعة،
وحرمانها من أموالها، قال النبي صلى الله عليه وسلم : « اللهم من ولي من أمر أمتى شيئاً فرفق بهم فارفق به ، ومن ولي
من أمر أمتي شيئاً فشق عليهم فاشقق عليه » .
ـ
ومن وظائف الحاكم في الإسلام ـ بالتعاون مع شعبه ـ أن يحمي المجتمع من الرذائل،
وأن يحمي الدين والأنفس والأعراض والأموال، بإقامة حدود الله،
التي تنتصف من الظالم للمظلوم، وإقامة العقوبات التي تحفظ المجتمع من الظلم
والفوضى وانتشار الجريمة، ومهما تفكرت العقول فلن يكون ما تختاره من عقوبات خيراً
مما اختاره الله، وهو الأعلم بما يُصلِح ويزجر خلقه، وهو الأرحم بهم، وإذا نظرتَ
إلى الشدة من جانب العقوبة بالفرد المجرِم؛ فعليك أن تنظر إلى جانب الرحمة العامة
في حفظ المجتمع بأفراده الكثيرين.
ـ
وعلى الحاكم أن يرعى ما شرعه الله في التعامل مع الرعايا المسالمين غير المسلمين
داخل بلاد المسلمين، واحترام العهود والمواثيق والذمم مع سائر الأمم، وتأمين
السفير، فالإسلام قد منع ظلم الكافر وتهمته بما لم يفعل، كما منعه عن أهل الإسلام.
ـ احذر أيها الحاكم أن تكون ممن قال الله تعالى
فيهم: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ
اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ، وَإِذَا
تَوَلَّى [أي صار والياً وحاكماً] سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا
وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ ، وَإِذَا
قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْأِثْمِ فَحَسْبُهُ
جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ ﴾ [البقرة:204 – 206].
فحاكم حقود على شعبه؛ لا يَصْلُح.
وحاكم يفسد أو يفسح للفساد؛ لا يصلح.
وحاكم يقطع الأرحام، ويتسبب في إزهاق الأرواح؛
لا يصلح.
وحاكم يقبل أن يقتل فرداً أو أفراداً من شعبه
لأجل أن يبقى في الحكم، والناس لا يريدونه؛ لا يصلح.
وحاكم لا يقبل النصيحة؛ لا يصلح.
وحاكم يفرِّق بين أهل الدين وبين المواطنين
المسلمين، لأنهم ليسوا من عشيرته أو ليسوا من بلده ـ بحدود حدها أعداؤنا؛ فيجعل
دينه الوطنية أو العِرْقية؛ لا يصلح.
وحاكم جاهل . . ظالم . . سراق . . فاسد . .
متكبر . . لا يصلح.